كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الله تعالى: {فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ}، يعني: رفعنا ما به من شدة {فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا}؛ قال مقاتل: ولدت امرأة أيوب منه سبعة بنين وثلاث بنات قبل البلاء، فأحياهم الله تعالى؛ ثم ولدت بعد كشف البلاء سبعة بنين وثلاث بنات، فذلك قوله: {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ}.
وقال الكلبي: ولدت سبعة بنين وسبع بنات، فنشروا له، وولدت امرأته مثلهم سبعة بنين وسبع بنات؛ ويقال: آتاه الله عز وجل أهله في الدنيا، ومثلهم معهم في الآخرة، وروى وكيع، عن ابن سفيان، عن الضحاك: أن ابن مسعود بلغه أن مروان بن الحكم قال: {فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا} أي أهلًا غير أهله.
فقال ابن مسعود: لا بل أهله بأعيانهم ومثلهم معهم.
ثم قال: {رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا}، يعني: نعمة منا، {وذكرى للعابدين}؛ يعني: عظة للمطيعين؛ وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليعتبروا به، لأن أيوب عليه السلام لم يفتر عن عبادة ربه عز وجل في بلائه.
ثم قال تعالى: {وإسماعيل وَإِدْرِيسَ}، يعني: واذكر إسماعيل، وهو إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وإدريس وهو جد أبي نوح.
{وَذَا الكفل}، قال بعضهم: كان ذو الكفل نبيًّا؛ وقال مجاهد: ذو الكفل لم يكن نبيًّا، وكان رجلًا صالحًا، تكفل لبني قومه أن يكفيه أمر قومه، ويقضي بينهم بالعدل؛ ولذلك سمي ذا الكفل؛ ويقال: إنما ذكره مع الأنبياء عليهم السلام لأنه عمل عمل الأنبياء؛ وقال قتادة: كفل عن رجل صلاته، كان يصلي كل يوم ألف ركعة، فكفل عنه فكان يصلي بعد موته؛ فسمي ذا الكفل؛ ويقال: إنه كفل مائة نبي، وأنجاهم من القتل، وضمهم إلى نفسه، فسمي ذا الكفل.
{كُلٌّ مّنَ الصابرين}، يعني: صبروا على طاعة الله عز وجل وعلى ما أصابهم من الشدة في الله تعالى: {وأدخلناهم في رَحْمَتِنا}، يعني: أكرمناهم بالنبوة، ويقال: أدْخلناهم في الجنةِ {إِنَّهُمْ مّنَ الصالحين}، يعني: المطيعين لله تعالى.
{وَذَا النُّونِ}، يعني: واذكر ذا النون، يعني: ذا السمكة؛ وهو يونس بن متى عليه السلام، يعني: واذكر ذا النون، يعني: ذا السمكة؛ وهو يونس بن متى عليه السلام {إِذ ذَّهَبَ مغاضبا}، يعني: مصارعًا من قومه؛ ويقال: كان ضيق الصدر سريع الغضب؛ وذلك أنه لما دعا قومه إلى الله تعالى، كذبوه فأخبرهم بأن العذاب نازل بهم، فأتاهم العذاب؛ فأخلصوا لله تعالى بالدعاء، فصرف عنهم.
وكان يونس اعتزلهم ينتظر هلاكهم، فسأل بعض من مر عليه من أهل تلك المدينة، فلما علم أنهم لم يهلكوا، أنف أن يرجع إليهم مخافة أن ينسب إلى الكذب وَيُعَيَّرَ به؛ و{ذَّهَبَ مغاضبا}، يعني: أنفًا.
قال القتبي: غضب وأنف بمعنى واحد لقربهما.
وقال بعضهم: إنما غضب على الملك؛ وذلك أن ملكًا من الملوك، يقال له ابن تغلب، غزا بني إسرائيل ونزل أيام عافيتهم، أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل، يسمَّى شعياء أن ائت حَزْقِيا الملك، ومره ليبعث نبيًّا قويًا أمينًا.
وكان في ملكه خمسة من الأنبياء، فجاء شعياء إلى حزقيا وأخبره بذلك، فدعا الملك يونس بن متى، وأمره بأن يخرج، فأبى أن يخرج وقال: إن في بني إسرائيل أنبياء أقوياء غيري، فعزم عليه الملك، فخرج وهو كاره، فغضب على الملك.
فوجد قوما قد شحنوا سفينتهم، فقال لهم: أتحملونني معكم؟ فعرفوه فحملوه.
فلما شحنت السفينة بهم وأسرعت في البحر، انكفأت وغرقت بهم، فقال ملاحوها: يا هؤلاء، إن فيكم رجلًا عاصيًا، وإن السفينة لا تفعل هذا من غير ريح، إلا وفيكم رجل عاصٍ، فاقترعوا فخرج بينهم يونس عليه السلام فقال التجار: نحن أولى بالمعصية من نبي الله.
ثم أعادوا الثانية والثالثة، فخرج سهم يونس، فقال: يا هؤلاء، أنا والله العاصي.
قال: فتلفف في كسائه وقام على رأس السفينة، فرمى بنفسه فابتلعته السمكة؛ فذلك قوله تعالى: {إِذ ذَّهَبَ مغاضبا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} يعني: لن يقدر عليه العقوبة، ويقال: إن ذنبه لم يبلغ الذي نقدر عليه العقوبة؛ ويقال: ظن أنا لن نضيق عليه الحبس، كقوله: {وَأَمَا إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربى أَهَانَنِ} [الفجر: 16] أي ضيق.
وقرأ بعضهم: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} بالتشديد، فهو من التقدير، وقراءة العامة بالتخفيف.
{فنادى في الظلمات}، يعني: في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت: {أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ}، أي ليس أحد له سجن كسجنك.
{سبحانك} إني تبت إليك.
{إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين} لنفسي.
قال الله تعالى: {فاستجبنا لَهُ ونجيناه مِنَ الغم}، يعني: غم الماء في بطن الحوت، ويقال: من غم الذنب وقد بقي في بطن الحوت أربعين يوما، ويقال: أقل من ذلك.
ثم قال: {وكذلك نُنجِى المؤمنين}.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر في إحدى الروايتين {نُجِّي} بنون واحدة وتشديد الجيم؛ وقال الزجاج: هو لحن، لأن فعل ما لم يسم فاعله، لا يكون بغير فاعل؛ وإنما كتب في المصحف بنون واحدة، لأن الثانية تخفى مع الجيم؛ وقال أبو عبيدة: والذي عندنا أنه ليس بلحن، وله مخرجان في العربية: أحدهما أنه يريد {ثُمَّ نُنَجّى} مشددة كقوله: {ونجيناه من الغم} ثم يدغم النون الثانية في الجيم؛ والآخر معناه نجِّي نجاة المؤمنين.
قال: هذه القراءة أحب إلى، لأن المصاحف كلها كتبت بنون واحدة، وهكذا رأيت في مصحف الإمام عثمان رضي الله عنه وقرأ الباقون {نُنجِى المؤمنين} بنونين.
قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا} يعني: واذكروا زكريا {إِذْ نادى رَبَّهُ}، يعني: إذ دعا ربه: {رَبّ لاَ تَذَرْنِى فَرْدًا}، يعني: وحيدًا لا وارث لي.
{وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين}، يعني: أفضل الوارثين.
قال الله تعالى: {فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}، يعني: رحم امرأته وكانت عقيمًا لم تلد قط، سيئة الخلق، فأصلحها الله تعالى.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ في الخيرات}، يعني: يبادرون في الطاعات، وهو زكريا وامرأته ويحيى عليهم السلام ويقال: الأنبياء الذين سبق ذكرهم.
{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}، يعني: رغبة فيما عند الله من الثواب والجنة، ورهبًا أي فرقًا من عذاب الله تعالى.
{وَكَانُواْ لَنَا خاشعين}، يعني: مطيعين، ويقال: متواضعين.
قوله عز وجل: {والتى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}، يعني: واذكر مريم التي حفظت نفسها من الفواحش.
{فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا}، يعني: نفخ جبريل في نفسها بأمرنا {وجعلناها وابنها ءايَةً} يعني عبرة {للعالمين} أي: لجميع الخلق ويقال آية، ولم يقل آيتين لأن شأنهما واحد الآية فيهما بمعنى واحد بغير أب.
قوله عز وجل: {إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}، يعني: دينكم دين الإسلام دينًا واحدًا، قرأ بعضهم: {أُمَّةً وَاحِدَةً} بالضم ومعناه إن هذه أمتكم وقد تم الكلام، ثم يقول: {أُمَّةٍ}، يعني: هذه أمة واحدة؛ وقرأ العامة بالنصب على معنى التفسير ثم قال: {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاعبدون}، يعني: فوحدوني.
ثم قال: {وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} يعني: عرفوا فيما بينهم وهم اليهود والنصارى.
{كُلٌّ إِلَيْنَا راجعون} في الآخرة، فهذا تهديد للذين تفرقوا في الدين.
ثم بيَّن ثواب الذين ثبتوا على الإسلام، فقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات}، يعني: الطاعات {وَهُوَ مُؤْمِنٌ}، يعني: مصدق بتوحيد الله عز وجل، {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ}، يعني: لا يُجحد ولا يُنسى ثواب عمله.
والكفران مصدر مثل الشكران والغفران.
{وَإِنَّا لَهُ كاتبون}، يعني: حافظين مجازين.
قوله عز وجل: {وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ}، يعني: على قرية فيما مضى {أهلَكِناها} بالعذاب في الدنيا، {أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} إلى الدنيا، قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر {وَحَرَّمَ}، الباقون {وَحَرَامٌ} بنصب الحاء والألف.
وَحُرْمٌ وَحَرَامٌ بمعنى واحد، كقوله: حلّ وحلال، وروي عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ {وَحَرَّمَ} وقال: واجب عليهم أن لا يرجع منهم راجع، ويقال معناه وحرام على أهل قرية أهلَكِناها أن يتقبل منهم عمل، لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون؛ ويقال: {لاَ يَرْجِعُونَ} لا: زيادة ومعناه حرام عليهم أن يرجعوا.
ثم قال تعالى: {حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومأجُوجُ}، قرأ ابن عامر {فُتِحَتْ} بالتشديد على معنى المبالغة والتكثير؛ وقرأ الباقون بالتخفيف؛ وقرأ عاصم {يَأْجُوجَ وماجُوجَ} بالهمز والباقون بغير همز.
{وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ}، قال مقاتل: يعني: من كل مكان يخرجون، من كل جبل أو أرض أو واد، وخروجهم عند قيام الساعة؛ وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: لا يموت واحد منهم إلا ترك من صلبه ألف ذرية فصاعدًا.
وروى قتادة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أنه قال: الإنس عشرة أجزاء منهم يأجوج وماجوج تسعة أجزاء، وجزء واحد سائر الإنس.
وروى سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزبعرى، عن عبد الله بن مسعود قال: يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وماجوج بعد الدجال، يموجون في الأرض فيفسدون فيها، ثم قرأ {وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ}، أي يخرجون فيبعث الله تعالى عليهم دابة مثل هذا النغف، فتلج في أسماعهم ومناخرهم فيموتون، فتنتن الأرض؛ فيرسل الله تعالى ماء فيطهر منهم، فذلك قوله عز وجل: {إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومأجُوجُ}، يعني: أرسلت كقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى ءَامَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات مِّنَ السماء والأرض ولَكِن كَذَّبُواْ فأخذناهم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]، يعني: أرسلنا {وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ}، أي من كل أكمة ونشرة من الأرض يخرجون، وقال بعضهم: يكون خروجهم قبل الدجال.
والأصح ما روي عن عبد الله بن مسعود.
قوله تعالى: {واقترب الوعد الحق}، يعني: قيام الساعة.
{فَإِذَا هي شاخصة}، أي فاتحة {أبصار الذين كَفَرُواْ ياويلنا}، يعني: يقولون: يَا وَيْلَنَا {ياويلنا قَدْ كُنَّا في غَفْلَةٍ}؛ يعني: في جهل {مّنْ هذا} اليوم.
ثم ذكروا أن المرسلين كانوا أخبروهم، فقالوا: {بَلْ كُنَّا ظالمين}، يعني: قد أخبرونا فكذبناهم.
قوله عز وجل: {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ}؛ وروي عن على بن أبي طالب أنه كان يقرأ حطب جهنم، وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ حضب جهنم، بالضاد، وقراءة العامة {حَصَبُ} بالصاد، يعني: رميًا في جهنم.
وكل ما يرمى في جهنم فهو حصب، ويقال: حصب هو الحطب بلسان الزنجية.
ومن قرأ: حطب، أي كل ما يوقد به جهنم، ومن قرأ حضب، بالضاد معناه ما يهيج به النار.
{أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}، أي داخلون.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى قريشًا وهم في المسجد مجتمعون، وثلاثمائة وستون صنمًا مصفوفة، وصنم كل قوم بحيالهم؛ فقال: «{إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} يعني: من هذه الأصنام، فِي النَّارِ.ثم انصرف عنهم، فشق ذلك عليهم مشقة عظيمة شديدة. وأتاهم عبد الله بن الزبعرى، وكان شاعرًا، فقال: ما لي أراكم بحال لم أركم عليها قبل؟ فقالوا: إن محمدًا يزعم أنا وما نعبد في النار. فقال: لو كنت هاهنا لخصمته. فقالوا: هل لك أن نرسل إليه؟ فقال: نعم. فبعثوا إليه، فأتاهم، فقال له ابن الزبعرى: أرأيت ما قلت لقومك آنفًا، أخاص لهم أم عام؟ فقال: بل عام، كل من عبد من دون الله فهو وما يعبد في النار قال: أرأيت عيسى ابن مريم عليه السلام هذه النصارى تعبده، فعيسى والنصارى في النار؟ وهذا عزير تعبده اليهود، فعزير واليهود في النار؟ وهذا حي يقال لهم بنو مليح يعبدون الملائكة، فالملائكة وهم في النار؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم، فضج أصحابه وضحكوا فنزل: {وَلَمَا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلًا}، ونزل في عيسى وعزير والملائكة {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]».
يقال إن هذه القصة لا تصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب، وأنطقهم لسانًا، وأحضرهم جوابًا كما وصف نفسه: «أنَا أفْصَحُ العَرَبِ» فلا يجوز أن يسكت على مثل هذا السؤال، ولم يكن السؤال لازمًا؛ ويقال: كان سكوته الاستخفاف، لأنه سئل سؤالًا محالًا، لأنه قال: {إنكم وما تعبدون من دون الله}، ولم يقل ومن تعبدون.
وما لا يقع على النواطق، ومن تقع على النواطق؛ ويقال: هذا القول يقال لهم يوم القيامة، لأنه قال: {قَدْ كُنَّا في غَفْلَةٍ مّنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالمين}.
يقال لهم عند ذلك: {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ}، فإن قيل: ما الحكمة في إدخال الأصنام في النار؟ قيل: زيادة عقوبة للكفار، لأن الأصنام أحجار، فيكون الحر فيها أشد؛ ويقال: الفائدة في إدخال المعبود النار زيادة ذل وإصغار عليهم، حيث رأوا معبودهم في النار معهم من غير أن يكون للأصنام عقوبة، لأنه لا يجوز التعذيب بذنب غيرهم.
ثم قال تعالى: {لَوْ كَانَ هَؤُلاء ءالِهَةً}، يعني: الأصنام {مَا وَرَدُوهَا}، أي ما دخلوها ومنعوا أنفسهم من النار.
{وَكُلٌّ فِيهَا خالدون}، يعني: العابد والمعبود.
{لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ}، يعني: في النار صوتهم مثل نهيق الحمار.
{وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ}، يعني: عيسى وعزيرًا في الجنة لا يسمعون زفيرهم؛ ويقال: يعني: أن أهل النار لا يسمعون في النار الصوت، وذلك حين يقال لهم: {اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ}، فصاروا صمًا بكمًا عميًا ثم قال عز وجل: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى}، يعني: الذين وجبت لهم منا الجنة، يعني: عيسى وعزيرًا. {أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}، يعني: منجون من النار.
قوله: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا}، يعني: صوت جهنم {وَهُمْ فِيمَا اشتهت أَنفُسُهُمْ}، يعني: لهم ما تمنت أنفسهم في الجنة.
{خالدون}، يعني: دائمين.
{لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر}؛ قال ابن عباس رضي الله عنه يعني: النفخة الأخيرة دليل قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ في الصور فَفَزِعَ مَن في السماوات وَمَن في الأرض إِلاَّ مَن شَاءَ الله وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخرين} [النمل: 87]، وقال الحسن: حين يؤمر بالعبد إلى النار؛ وقال مقاتل: إذا ذبح الموت بين الجنة والنار، فيأمن أهل الجنة من الموت ويفزع أهل النار، فيفزعون حين أيسوا من الموت؛ وقال الكلبي، وسعيد بن جبير، والضحاك: إنه حين وضع الطبق على النار بعد ما أخرج منها من أخرج، فيفزعوا لذلك فزعًا لم يفزعوا لشيء قط؛ وذلك الفزع الأكبر.